الاستراتيجيات الاتصالية المستخدمة فى حملات التسويق الاجتماعى بالصحف المطبوعة ومواقع التواصل الاجتماعى

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم الصحافة بکلية الإعلام- جامعة القاهرة

المستخلص

قدّم التسويق الاجتماعى منذ بداية التطبيق العملى لمفهومه فى الخمسينيات– وقبل حتى ظهوره کمصطلح فى عام 1970- العديد من الإسهامات فى مجالات الصحة العامة والتنمية الدولية، وفى ضوء تطور الجوانب النظرية والتطبيقية لحملات التسويق الاجتماعى، وفى ظل ما تشهده مصر من إجراءات متنوعة ساعية لإعادة بناء الدولة وترسيخ المفاهيم الخاصة بذلک، تبرز أهمية دراسة الاستراتيجيات الاتصالية المستخدمة فى حملات التسويق الاجتماعى الداعمة لهذا التوجه فى ظل التغيرات السريعة والمتلاحقة التى تشهدها البيئة الاتصالية نتيجة التقدم التکنولوجى الکبير الذى أفرز - ومازال يفرز-  الکثير من المستجدات على الساحة الاتصالية، ما جعل الأفراد لا يکتفون بالحصول على المعلومات من وسائل الاتصال التقليدية ويتجهون بشکل أکبر نحو المنصات الإعلامية الأکثر تطورًا بما تتضمنه من شبکات اجتماعية وتطبيقات للهواتف الذکية، وبذلک تتحدد مشکلة الدراسة فى الإجابة على السؤال التالى "ما الاستراتيجيات الاتصالية المستخدمة فى حملات التسويق الاجتماعى بکلٍ من الصحف المطبوعة ومواقع التواصل الاجتماعى؟"، وذلک بالتطبيق على حملة (الانضباط أسلوب حياة) بصحيفة الأخبار، وحملة (وفر لنفسک) بموقع الفيس بوک.
وسعت الدراسة لتحليل نموذجين مهمين من حملات التسويق الاجتماعى التى وُجهت للمجتمع المصرى خلال الفترة الأخيرة بعد مرور البلاد بعدد من المتغيرات السياسية والاقتصادية، وحاولت الدراسة فهم دور التکنولوجيا وما أفرزته من أشکال جديدة في بيئة الاتصال والإعلام في تطوير الإسهامات الاجتماعية التى تهدف بالأساس إلى النهوض بالمجتمعات وتحسين أوضاعها على کافة الأصعدة، ويمکننا ملاحظة الآتى:

عادةً ما يمثل شکل تقديم المضمون الاختلاف الجوهرى بين وسيلة إعلامية وأخرى، وعلى الرغم من وجود فجوة ملحوظة إلى حدٍ کبير بين الحملتين محل الدراسة على مستوى الشکل، إلا أن تلک الفجوة لم ترتبط فى الأغلب بطبيعة الوسيلة الإعلامية بل ارتبطت بطريقة تفکير مخططى الحملتين، وهو ما يعنى أنه على الرغم من أن إمکانيات الوسيلة الإعلامية قد تلعب دورًا مهمًا فى نجاح الحملة إلا أن إبداع مخططى الحملات وقدرتهم على التفکير خارج الصندوق وتوظيف الإمکانيات ونقاط القوة التى تميز الوسيلة الإعلامية على الوجه الأمثل - وبشکل عقلانى بعيدًا عن الانبهار- والتغلب على نقاط ضعفها قد يلعب دورًا أکثر أهمية فى نجاح حملات التسويق الاجتماعى؛ حيث ظهر بوضوح أن مخططى حملة "الانضباط أسلوب حياة" حصروا أنفسهم فى القوالب الفنية وأساليب العرض التقليدية التى تستخدمها الصحف مع أن الصحيفة کوسيط قادرة على تقديم قوالب فنية وأساليب عرض أکثر إبداعًا، کما أن مخططى حملة "وفر لنفسک" اعتمدوا على تقديم موادهم من خلال صور ثابتة فى الأغلب رغم إمکانيات الصوت والصور الحية أو المتحرکة التى يوفرها موقع الفيس بوک؛ نظرًا لتقديرهم أن ذلک أکثر إفادة للحملة فى ظل اعتقادهم على الارجح أن الصورة الثابتة قادرة على توصيل المعلومة بشکل أسرع وأن مضمونها أقل عرضة للتجاهل من قبل جمهور غارق فى کم کبير من المعلومات.
على الرغم من تأکيد الأدبيات المنشورة حديثًا فى مجال التسويق الاجتماعى على أهمية استخدام أسلوب "تجزئة السوق" لتوجيه رسائل مناسبة لکل فئة فى ظل اکتشاف الکثير من الدراسات أن العوامل الديموغرافية والبيئة المحيطة بالأفراد تؤثر بشکل کبير على استجابتهم للاتصالات التى تستهدف تغيير السلوک، إلا أن مخططى الحملتين محل الدراسة لم يراعوا هذا الأمر ولکنهم أخذوا فى الحسبان فقط طبيعة جمهور الوسيلة الإعلامية التى عرضوا رسائلهم من خلالها، بالإضافة إلى عدم اهتمام الحملتين بتقديم رسومات بيانية وکذلک عدم مراعاة حملة "الانضباط أسلوب حياة" لقصر حجم الرسالة (النصية تحديدًا) رغم تأکيد الدراسات الحديثة على تلک الأمور، وهو ما يعنى أننا فى مصر لازلنا فى حاجة إلى متابعة آخر ما توصل له العلم والتفکير فيه بجدية قبل التخطيط لهذا النوع من الحملات لأن التعامل مع الاتصالات التسويقية فى المجال الاجتماعى على أنها جهد فردى غير مرتبط بأسس وقواعد معينة لم يعد مقبولًا اليوم فى ظل نضوج علم التسويق الاجتماعى ووجود الکثير من التطبيقات النظرية والعملية عليه.
إذا کان نجاح المسوّق الاجتماعى فى خلق الرغبة لدى الجماهير واستثارتهم لتبنى السلوک الجديد أمر فى غاية الأهمية بالنسبة لحملات التسويق الاجتماعى، فإن التوقف عند ذلک الحد وعدم تذليل العقبات – المرتبطة بالتشاؤم أو عدم الإمکانية - التى تحول دون تطبيق الجمهور لهذا السلوک قد يجعل من الرغبة والاستثارة شعورًا لحظيًا غير ذى جدوى أو تأثير على أرض الواقع، وعلى الرغم من ترکيز الحملتين محل الدراسة بشکل کبير على خلق الرغبة لدى الجماهير فى اتباع السلوک الجديد وحرص حملة "الانضباط أسلوب حياة" تحديدًا على استثارتهم لتبنى ذلک السلوک إلا أن الحملتين لم تهتمان بتقديم تسهيلات لتشجيع الجمهور على ذلک، وکذا لم تقدم حملة "وفر لنفسک" نماذج مدعمة تجعل الجمهور يشعر بأنه يستطيع أو أنه استطاع بالفعل القيام بالمطلوب، فى الوقت الذى رکّزت فيه الحملة الأخرى على بث روح التفاؤل والتأکيد على نجاح الحملة وتقديم نماذج ناجحة تحفز الجمهور على الاستمرار فى محاولة انتهاج السلوک الجديد. 
لاحظ الباحث إدراک مخططى الحملات أن السلوک الجديد الذى تروج له الاتصالات التسويقية الخاصة بهم معروف لدى الجمهور ومتفق عليه ضمنيًا ولکنه لم يُطبّق نتيجة أسباب أخرى غير مرتبطة بالمعرفة، ومن ثم فإن اتخاذهم قرار بتجاوز مرحلة تحديد المشکلة للجمهور قد يؤثر على نجاح الحملة؛ إذ ينعکس بشکل سلبى إلى حدٍ کبير على إمکانية التحديد الدقيق للخطوات المطلوبة من الجمهور لانتهاج السلوک الجديد؛ لأن تشعب المشکلة يترتب عليه أيضًا تشعب الخطوات المطلوبة وکثرتها بشکل يجعل من الصعوبة استيعابها وتطبيقها جميعًا، وهى المشکلة التى وقعت فيها حملة "الانضباط أسلوب حياة" حيث لم تحدد المقصود من لفظ "الانضباط" بدقة، وعممت المفهوم وهو ما ظهر بوضوح فى قيام کل مسئول بالخروج على الجمهور ليخبرهم من خلال تصريحاته عن معنى الانضباط من وجهة نظره وفى حدود ما يخصه، ما جعل الخطوات المطلوب اتخاذها من قبل الجمهور کثيرة ولا نهائية.
تشير طريقة عرض المعلومات فى حملة "الانضباط أسلوب حياة" وطبيعة المصادر التى اعتمدت عليها إلى أن مخططيها أعطوا اهتمامًا کبيرًا للحملة نفسها وآخر تطوراتها بدلًا من الترکيز على موضوع الحملة ذاته، ويتبين من ذلک- إذا أخذنا فى الاعتبار أن جريدة "الأخبار" أعلنت عن تبنيها لحملة أسبوع الانضباط – أن الجريدة اعتبرت نفسها جزءًا من الحملة ومراقبًا على الجهود المبذولة فى إطارها وليس مجرد وسيط إعلانى، وهو ما يُعبّر على الأرجح عن طبيعة المشکلة التى تمر بها الصحف فى العصر الرقمى؛ حيث يبدو أنها تحاول أن تستفيد من حملات التسويق الاجتماعى وليس العکس، فهى لا تتعامل باعتبارها وسيطًا تحتاجه تلک الحملات لتوصيل رسائلها لقاعدة عريضة من الجماهير، وإنما تحاول أن توظف تلک الحملات لإثبات نفسها على الساحة والتأکيد على دورها الکبير فى تنمية المجتمع من خلال المساهمة فى إنجاح مثل تلک الحملات.
على الرغم من أن إمکانية تفاعل الجمهور مع الحملة بشکل مباشر مثلت نقطة اختلاف جوهرية بين الحملتين، إلا أن هذا لم يعنى أن تلک الإمکانية ساهمت بشکل کبير فى إنجاح حملة "وفر لنفسک" - التى نشرت رسائلها عبر موقع فيس بوک - بل إنها قد تکون أثرت عليها بالسلب نتيجة کثرة التعليقات السلبية التى سعت لهدم الحجج والمبررات التى ساقها مخططو الحملة لإقناع الجمهور بالسلوک المطلوب، ومع ذلک کان من الممکن أن تستفيد جريدة "الأخبار" فى الحملة الأخرى من الإيجابيات التى توفرها تلک الإمکانية بشکل يتناسب مع طبيعتها وذلک من خلال عمل مسابقات وألعاب تنافسية مثلًا للجمهور کحافز له على المشارکة والاستجابة.

الكلمات الرئيسية