أطر التغطية الإخبارية لقضية التضخم في الصحف المصرية خلال النصف الثاني من عام 2015

يرفض الباحثون النظر إلى الصحافة ووسائل الإعلام باعتبارها بناءات ثانوية خاضعة تماماً فى توجهاتها لتأثيرات سياسية واقتصادية من خارجها، ويرون أنها تمتلک مقومات ذاتية للقوة تتمثل فى إيجاد معانى ثابتة للأحداث وذلک من خلال نظم المعلومات التي تقدمها هذه الوسائل الإعلامية لجمهورها، ومدى قدرتها على إضفاء سمات معينة على الأحداث والمواقف والشخصيات⁽³⁵⁾، وهذا يؤکد أهمية وخطورة الدور الذى يلعبه الإعلام بصفة عامة وتقوم به الصحافة بصفة خاصة عند تناول ومعالجة الأحداث والقضايا التي يواجهها المجتمع , وهوما يتعرض له حاليا المجتمع المصري حيث يواجه قضية اقتصادية خطيرة وهي قضية التضخم والتي کان لها آثار اقتصادية واجتماعية في منتهى السوء  .
وفي ظل تلک الأهمية سواء لأهمية الدور الذي يمکن أن تلعبه الصحافة في تناول ومعالجة القضايا والأزمات التي يواجهها المجتمع سواء بصورة مزمنة أو بشکل طارىء , أو لأهمية القضية المدروسة ذاتها , تتحدد مشکلة الدراسة فى رصد وتحليل وتفسير الأطر الخبرية التي قدمت بها صحف الدراسة (الأهرام – الوفد – المصرى اليوم) قضية التضخم فى الفترة من 1 يوليو 2015 حتى نهاية ديسمبر 2015 , بهدف الکشف عن الآليات والعوامل المؤثرة على بناء تلک الأطر بما يمکن معه معرفة کيف أثرت تلک الآليات على ظهور أطر معينة بما يتفق مع السياسة التحريرية لکل صحيفة , وإلى أي مدى تتفق هذه الأطر مع أهمية تلک القضية , ومع طبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به الصحافة في معالجة القضايا والأزمات المجتمعية.
استهدفت هذه الدراسة  رصد وتحليل وتفسير أطر التغطية الخبرية لقضية التضخم في الصحافة المصرية وذلک خلال الفترة من الأول من يوليو وحتى 31 ديسمبر 2015، وقد استندت الدراسة فى إطارها النظرى على نظـرية تحـليل الإطـار الإعـلامي ، واعتمدت على منهج المسح (الأهرام – المصري اليوم – الوفد)   , وقد خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج أبرزها مايلى :-
1- أن صحف الدراسة الثلاث قدمت نموذجاً واضحاً لمفهوم الإطار الإعلامى عن طريق الانتقاء والإبراز لجوانب معينة لقضية التضخم لتشکيل معنى ضمنى أو تدعيم اتجاه ما أو تعديله , وذلک حسب توجه کل صحيفة , وجاءت أبرز النماذج على ذلک اهتمام کل صحيفة من صحف الدراسة بجانب معين لهذه القضية يختلف عما تناولته الصحيفتين الأخريين فصحيفة الأهرام اهتمت  بالتناول الإخبارى لموضوع السياسة التقدية وتدهور سعر الجنيه , بينما رکزت صحيفة الوفد على موضوع الخلل في الميزان التجاري و مشاکل المستوردين , بينما اهتمت  صحيفة المصرى اليوم  بموضوع الدعم الخارجي والمباحثات مع صندوق النقد الدولي و مصلحة الفقراء .
2- اوضحت نتائج الدراسة أن من العوامل التي أثرت وبصورة کبيرة في تشکيل مکونات التغطية الإخبارية لقضية التضخم في الصحف المصرية ما يلي :
أ- أثرت دورية الصدور القصيرة نسبيا لصحف الدراسة الثلاث وطبيعة القضية المدروسة ذاتها التي شهدت تطورات مستمرة سريعة ومتلاحقة على معالجاتها لقضية التضخم والتي کانت متسارعة أيضا خاصة بالنسبة لتدهور سعر الجنيه, وحتى تستطيع الصحف متابعة تطورات تلک الأحداث ورصدها, انعکس ذلک في نوعية التغطيات الإخبارية ومصادرها, مما أثر على شکل التغطية الخبرية لهذه الأحداث حيث سيطر الخبر الصحفي على المعالجات الإخبارية لقضية التضخم على باقي الأشکال الصحفية الخبرية , کما سيطر (الإطار المحدد) على تغطية صحف الدراسة لقضية التضخم وذلک مقارنة بتوظيف (الإطار العام) , فافتقرت هذه المعالجة إلى تقديم الخلفيات وربط الأحداث بسياقاتها الاجتماعية والسياسية.
ب- کان لنمط ملکية الصحف والسياسة التحريرية لکل صحيفة تأثيرات کبيرة على التغطية الإخبارية لقضية التضخم وعلى اتجاه المضمون وزاوية التناول والأطر الإعلامية التي تم توظيفها في تقديم هذه المعالجات, حيث تنوعت الأطر التى وظفتها الصحف في تناولها لقضية التضخم، ففى الوقت الذى أبرزت فيه صحيفة الأهرام جهود الرئيس والحکومة لمواجهة قضية التضخم فى إطار العمل والإنجاز، استخدمت صحيفة المصرى اليوم الإحصاءات والأرقام لتوضيح حجم التضخم وحجم الفقر في المجتمع وذلک فى إطاري مصلحة الفقراء والحقائق المجردة, واستخدمت الوفد إطاري الفشل والخسائر الاقتصادية , وهکذا اختلف الإطار باختلاف توجه کل صحيفة و اختلاف أهداف القائم بالاتصال بکل منها، وتقاربت صحف الدراسة الثلاث فيما يتعلق بإطار الصراع حيث حظى بمکانة متقدمة فى کل منها، إلا أن کل صحيفة تباينت فى توظيفها لهذا الإطار.   
 جـ- کذلک کان لنمط ملکية کل صحيفة والسياسة التحريرية لکل صحيفة وموقفها من النظام القائم , أثر في تنوع الرؤى والأسباب التي طرحت لکل الجوانب المتعلقة بقضية التضخم و الحلول التي وضعت لمواجهته، وعلى الرغم من ذلک فقد اتفقت صحف الدراسة في بعض الأطروحات , وتباينت فى معظمها , واختلفت کل صحيفة في طرق تنفيذ هذه الحلول . وقد اتفق الخطاب الخبري لصحف الدراسة على ضرورة حل مشکلة السياسة النقدية و القضاء على الممارسات الاحتکارية وتشجيع الاستثمار وتخفيض عجز الموازنة , کأهم وسائل لمواجهة قضية التضخم.
3 - على الرغم من تنوع الحلول التى طرحها الخطاب الخبرى لصحف الدراسة لقضية التضخم، إلا أن اهتمام صحيفة الوفد بطرح تلک الحلول فاق اهتمام صحيفتا المصرى اليوم والأهرام، بما يعنى أن خطاب صحيفة الوفد جاء علاجياً للقضيةة بشکل يفوق صحيفتا الأهرام والمصرى اليوم .  
4- وظفت صحف الدراسة العديد من الآليات لتدعيم الأطر الإعلامية والتي قدمت من خلالها قضية التضخم مثل التکرار عناوين المواد الإخبارية والصورالمصاحبة ومقدمات وخاتمات التقارير والقصص الإخبارية والإحصاءات والأرقام.
 5- جاءت الحکومة ومحافظ البنک المرکزي والرئيس والقوات المسلحة کأهم قوى فاعلة فى خطاب صحف الدراسة الثلاث , وقد تشابهت إلى حد ما فى الأوصاف والأدوار المنسوبة لتلک القوى الفاعلة , وربما يرجع ذلک إلى طبيعة القضية , وتکثيف المعالجة لها , والذي کان له أثر کبير فى هذا التشابه .