قيم العولمة بمجلات الشباب العربية وعلاقتها بمنظومة القيم لدى الشباب المصرى دراسة تحليلية وميدانية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس مساعد بقسم الصحافة – کلية الإعلام – جامعة القاهرة

المستخلص

تتبلور المشکلة البحثية فى رصد وتحليل قيم العولمة المقدمة فى مجلات الشباب محل الدراسة -وهى الشباب وإحنا وکلمتنا وکاريزما- فى محاولة لتحديد مدى إسهام هذه المجلات فى التأثير على منظومة القيم لدى الشباب المصرى انطلاقاً من دور هذه المجلات کوسيلة اتصال ثقافي تعمل کمرآة عاکسة للقيم وتسهم عبر عدة آليات فى التأثير المقصود فى الشباب.ويعتمد الإطار النظرى للدراسة على النظرية الثقافية النقدية، ومدخل التبعية فى ظل العولمة (مدخل سوسيولوجى اقتصادى سياسى)، ونظرية الغرس الثقافى.
اهم النتائج :
 لعبت المجلات دور المحرض على الصراع بين القيم الأصيلة للشخصية المصرية وقيم العولمة، وذلک من خلال ما تقوم به المجلات محل الدراسة من نمذجة السلوکيات والتحرر من الروابط التقليدية ونشر قيم الفردية والتحرر من الانتماءات السياسية والجغرافية واللغوية. وصياغة قراءها کذوات محددة وفق رغبات وقيم العولمة، من خلال فصل الأفراد عن ذويهم وعن مجتمعاتهم وسلخهم عن أنفسهم، عن طريق تقديم النماذج الهابطة وتقريبها إليهم وترغيبهم فيها، مما يؤدى إلى إقتلاعهم من جذورهم ويدفعهم إلى التقليد الأعمى دون وعى أو فهم لما يحاک لهم.
إلا أن الشباب العينة أثبت مدى وعيه وتمسکه بقيمه المصرية بالرغم من تعرضه لمجلات الدراسة التى تقدم قيم العولمة بنسبة کبيرة، ويرجع ذلک إلى عدم قبول  العينة لما تقدمه المجلات کما هو، وإنما يأخذ منه ما يتوافق مع إطاره المرجعى. مما يؤکد على الجانب الإيجابى للعينة والذى يتمثل فى تفسيراته للنصوص والمضامين الإعلامية التى تختلف مع رؤية واتجاهات واضعى السياسة الإعلامية ورؤية القائمين بالاتصال بمجلات الدراسة، حيث کشفت الدراسة التحليلية أن قيم العولمة جزء هام من مضامين المجلات الشبابية محل الدراسة، إلا أن الدراسة الميدانية أثبتت أن الشباب الذين يعدون أکثر فئات المجتمع إنفتاحاً أکثر تمسکاً بالقيم المصرية.
حيث يرتفع معدل تبنى  العينة للقيم المصرية الإيجابية (متوسط حسابى=2,89)، ويؤثر عامل الاحتکاک بالخارج على تبنى القيم المصرية الإيجابية (مستوى معنوية =0.044، وقيمة ف =3.204). ويرجع ذلک إلى أن الاحتکاک بالخارج يعد عامل هام فى إکتساب قيم العولمة سواء کان السفر للمجتمعات الغربية المصدرة لقيم العولمة أو للمجتمعات الخليجية المستهلکة لقيم العولمة.
کما يرتفع معدل تبنى العينة للقيم المصرية السلبية (متوسط حسابى=2.72). وتوجد فروق دالة إحصائياً بين الذکور والإناث فى تبنيهم للقيم المصرية السلبية (مستوى معنوية = 0.000، وقيمة ت= -3.566) لصالح الإناث، وأررجعت الباحثة ذلک إلى حب کثير من الإناث للتدخل فى شئون الآخرين مع إختلاف أسباب القيام بذلک.
ولا يعنى ارتفاع معدلات تبنى العينة للقيم التى تدعم الهوية المصرية رفضهم لقيم العولمة، إلا أن درجة تبنى  العينة لقيم العولمة السلبية جاءت متوسطة (متوسط حسابى=2,39). وتوجد فروق دالة إحصائياً بين طبيعة المجلات الشبابية عينة الدراسة ودرجة تبنى قيم العولمة السلبية (مستوى معنوية = 0.035، وقيمة ف = 1.890). حيث ترتفع درجة تبنى قراء مجلة الشباب لقيم العولمة السلبية (متوسط حسابى = 2.51) عن قراء مجلة کلمتنا (متوسط حسابى = 2.30)، نتيجة تغليب مجلة الشباب لقيمة الفردية عن قيمة التعاون.
 کما توجد فروق دالة إحصائياً بين فئة الشباب الأقل من 22 سنة والفئة التى تبدأ من 22 إلى 35 سنة فى تبنيهم لقيم العولمة السلبية (مستوى معنوية = 0.000، وقيمة ت = -4.257) لصالح الفئة الأقل من 22 سنة، وأرجعت الباحثة ذلک إلى طبيعة المرحلة العمرية الراغبة فى مزيد التحرر دون إلتزام.
ثورة 25 يناير ومنظومة القيم بمجلات الشباب
تمثل مرحلة الثورة مرحلة فارقة في ترتيب القيم بالمجلات محل الدراسة قبل وبعد الثورة، فقد ازدادات نسبة قيم العولمة الإيجابية والقيم المصرية الإيجابية بعد الثورة، فى حين تراجعت قيم العولمة السلبية بعد أن کانت تحتل الترتيب الأول قبل الثورة على النحو التالى:
بلغت نسبة قيم العولمة الإيجابية قبل الثورة 35.5%، وزادت بعد الثورة إلى 39%. وکذلک القيم المصرية الإيجابية حيث بلغت نسبتها قبل الثورة 16%، وزادت بعد الثورة إلى 23%. أما قيم العولمة السلبية فقد بلغت نسبتها قبل الثورة 42%، فى حين أنها بعد الثورة تراجعت إلى 29%.
وعن طبيعة النماذج التى روجت لها المجلات محل الدراسة قبل وبعد الثورة: فقد عمدت المجلات قبل الثورة إلى تسطيح الشباب من خلال تقديمها لنجوم الفن والرياضة دون العلماء کقدوة للشباب فلکى تکون مشهور وتوضع صورک على أغلفة المجلات الشبابية لابد أن تکون ممثل أو مغنى أو لاعب کرة قدم وليس عالماً أو أديباً[i].
وحدث تحول بعد الثورة حيث تصدر الشباب المشارک فى الثورة والمصريون الذين لديهم وعى والإعلاميون المساندون للثورة أغلفة مجلة کلمتنا وإحنا بصورة أکبر[ii]، حيث جاء غلاف مجلة کلمتنا عبارة عن صورة لشاب مصرى يمثل ثورة 25 يناير التى تنادى ببناء البلد والقضاء على الفساد إلا أن فلول النظام السابق يحيطون به من کل جانب بأسلحتهم المختلفة (مولتوف- أسلحة نارية- الفتنة الطائفية)[iii]. ورسم للرئيس السابق مبارک خلف قضبان السجن متعجباً من ظلم المصريين له، ومکتوب على حائط السجن أسباب سجنه منها قتل المتظاهرين وعبارة السلام وکارثة الدويقة وتصدير الغاز لإسرائيل والعشوائيات والبطالة[iv]. وغلاف يحمل تعليق "کلنا مصر" ويضم صورة للفلاح والعامل والطفل والشاب والکبير والمحجبة وغير المحجبة[v]. فالمواطن المصرى أصبح بطل المشهد هو القدوة وکذلک الإعلاميون وليس الفنانون والرياضيون. وتصدرت الشخصيات المشارکة فى الثورة أغلفة مجلة إحنا، کما نشرت المجلة صور لمشاهد من ميدان التحرير.
وعن الوظائف المجتمعية لمجلات الدراسة قبل وبعد: رکزت تلک المجلات قبل الثورة على وظيفة الترفيه، وإن کان ترفيه يحتاج إلى ترفيه لإزالة آثار التوتر الاجتماعى الذى يترکها، فالترفيه من خلال التسوق والمزيد من الاستهلاک والذهاب إلى الأماکن الفاخرة لتحقيق الرفاهية يغرس قيمة الطبقية بين الشباب، وليس التسلية وتهيئة الراحة والإسترخاء.
وأغفلت مجلات الدراسة وظائف مثل العمل على ترابط أجزاء المجتمع حول القضايا الأساسية من خلال تسليط الضوء على القضايا التى تهم المجتمع، وهو ما يؤدى إلى تطور الرأى العام. ولم تقم مجلات الشباب بدورها الخاص بتمرير القيم من الأجيال السابقة إلى الأجيال التالية کما ينبغى. ولم تخلق المجلات المثل الاجتماعى الإيجابى من خلال تقديم النموذج الإيجابى فى الشئون العامة والآدب والثقافة والفنون، بل رکزت المجلات على الفنانين ولاعبى کرة القدم دون العلماء.
فلا يحظى العلم والعلماء بالاحترام والتقدير، فالعلم لم يعد الطريق للنجاح فى المجتمع أو السبيل إلى الترقى، وإنما المال بأى وسيلة هو المفتاح السحرى لکل شئ وأى شئ، وتقهقرت قيم التفوق العلمى لتحل محلها قيم التجارة والأعمال الحرة والکسب التى تعطى تفوقاً إجتماعياً بصرف النظر عن التعليم والإنجاز.
وتوجهت مجلات الدراسة تدريجياً بعد الثورة نحو مسئوليتها الإجتماعية، من خلال اختيار القيم التى تشبع الاحتياجات الإعلامية والثقافية للمجتمع، بالترکيز على القيم والأفکار التى تمکن أفراد المجتمع من ممارسة حقوقهم وواجباتهم کمواطنين. وکان لا يمکن أن يتم ذلک مع الاتجاه المتزايد نحو بيع الجماهير للمعلنين، لذا إنخفضت نسبة الإعلانات بالمجلات بعد الثورة. ولا يمکن إرجاع ذلک فقط إلى قيام المجلة بمسئوليتها الاجتماعية وإنما يرجع أيضاً إلى الأجواء الغير مستقرة والعوامل الاقتصادية بعد الثورة.
وتمکنتا مجلتا کلمتنا وإحنا من القيام بدورهما فى التعبئة بعد الثورة من خلال المساهمة فى الحملات الإجتماعية، وإن کانتا تساهمان فى التغيير الاجتماعى ولا تقوده. حيث شارکت مجلة کلمتنا فى العديد من حملات التوعية المجتمعية منها "احترم نفسک، و"لسة فيکى رجالة يامصر" للقضاء على ظاهرة التحرش فى مصر، ثم قامت بعمل مبادرة إنتخابات وزارية شبابية اسمتها "الوزارة فى العمارة" طلبت من الشباب أن يرشحوا أنفسهم لمناصب وزارية على أن يقدموا حلول مبتکرة للمشاکل الحالية وتم عرضها على الوزراء المختصين، وتقيم المجلة ورش عمل فى مجالات مختلفة (صحافة، وفن، وتنمية بشرية).
وبعد الثورة أصبح من الممکن الکتابة عن الرموز السياسية المختلفة فى المجتمع وإظهار سلبياتها حيث کان يقتصر الأمر على التوعية السياسية دون الإشارة إلى أى من تلک الرموز السياسية.
 ومن القيم التى حرصت المجلة على تقديمها الإيجابية وعدم السلبية، وعدم إهانة أى شخص أو دين، والمصداقية فى کل الأشياء، وعدم التعميم والکتابة عن مواقف محددة وليس عن مؤسسات بعينها. ويتم اختيار الشخصيات التى يتم محاورتها بعناية وفقا لمبدأ المسئولية الاجتماعية حتى النجوم يتم اختيار من يقدمون أعمال محترمة وليس من يقدم أعمال تفرقع إعلاميا دون جدوى.
فقادت مجلة إحنا عدداً من الحملات انطلاقاً من دورها إزاء المجتمع منها حملة "کده عيب البلد بتتغير وإنت واقف صف تانى" من خلال توزيع ملصقات مع المجلة وفى الشوارع، کما شارکت المجلة فى حملة ابدأ بنفسک کمبادرة من المجلة لتحفيز کل قارئ لأن يکون إيجابى ويقوم بدوره إزاء المجتمع المحيط به.
وهناک بعض أفکار الموضوعات المتشابهة بين مجلات الشباب، فقد اشترکت مجلتا الشباب وإحنا فى فکرة عمل حوار بين الشباب المنتمين لتيارت سياسية مختلفة، وخلق روح المنافسة بينهم لإستقطاب شاب ليس لديه أى انتماء وإقناعه بالتيار الذى ينتمى إليه کل شاب، وکانت النتيجة فى المجلتين عدم انجذاب الشاب الذى ليس لديه أى انتماء لأى من التيارات السلفية والإخوان والإشتراکية والناصرية والليبرالية. وهناک تکرار بين المجلات عينة الدراسة فى الشخصيات التى يتم إجراء الحوارات معها فى نفس توقيت النشر، ومعظمها من الشخصيات تعمل بالمجال الفنى، وهى الشخصيات التى تقدم کقدوة للشباب وتنشر صورهم على أغلفة المجلات الموجهة إليهم. وتتشابه الشخصيات التى تنشر صورها على أغلفة مجلة کلمتنا ومجلة کاريزما، وتقترب منهم مجلة الشباب.
فالتوجه الفکرى للقيم بمجلات الشباب عينة الدراسة بعد الثورة يأتى فى إطار البنية الفکرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى يتشکل بها النظام السائد، فوسائل الإعلام ما هى إلا أدوات أيديولوجية لإعادة إنتاج هذه الأبنية.



 

الكلمات الرئيسية